الاثنين، 16 مايو 2011

الطيار الخاص بالزعيم الراحل عبد الكريم قاسم (واثق ابراهيم ادهم محمد البياتي) يروي ذكرياته


The Iraqi Air Force History


Iraqi Air Force - Irq. AF

 الطيار الخاص بالزعيم الراحل عبد الكريم قاسم (واثق ابراهيم ادهم محمد البياتي) يروي ذكرياته
نشرت صحيفة البينة الجديدة  تحقيقا" صحفيا" مع الطيار الخاص للزعيم عبد الكريم قاسم الطيار واثق إبراهيم ادهم و المقال يكشف عن بعض المعلومات التاريخية عن القوة الجوية العراقية  .و لابد من الإشارة إلى ورود خطأ في تسمية طائرة الهليوكوبتر السوفيتية مي- 4 / Mi-4 حيث ذكرت في المقال ب .ma4

في اطول حوار معه... الطيار الخاص بالزعيم الراحل عبد الكريم قاسم (واثق ابراهيم ادهم محمد البياتي) يروي ذكرياته لـ( البينة الجديدة) مع شهيد الشعب:

بدأت قصتي مع الزعيم عبد الكريم قاسم بعد عودتي من انكلترا في ايلول (1958) وحصولي على شهادة
(v.i.p) لنقل الشخصيات المهمة.
كان الزعيم قاسم شجاعاً ولايخاف الموت ويؤمن بالله ويرى فيه افضل حارس وكان كريما يحب الفقراء ودائم التفقد للمشاريع والمعسكرات ويربت على اكتاف العاملين حيثما التقاهم ويحب الوطن ويسعى لخدمته.


<>   <>

 
في احد مساءات الاسبوع الماضي رن هاتفي الجوال وكان المتكلم على الطرف الاخر الزميل الصحفي والاعلامي ثائر الزبيدي طارحا قضية اجراء لقاء مع طيار زعيم الشعب الخالد عبد الكريم قاسم (واثق ابراهيم ادهم محمد البياتي) ومبديا استعداده لايصال من يريد اجراء اللقاء الى منزل الطيار واثق.. ولم تكن ثمة مساحة لـ(الصفنة) فبادرته بالقول ان رئاسة التحرير وهيئة التحرير وكل محرري الجريدة سيكونون تحت الطلب وبالفعل شددنا الرحال انا وزميلي مدير التحرير صوب الرجل وكان يسبقنا الى ذلك شوق مابعده شوق وفي ظروف اقل من ساعة كنا ضيفين على حضرة الطيار الثلاثيني والذي بدا انيقا وتعلو الابتسامة محياه رغم تقادم الزمن وقد دخل الرجل وباقي افراد عائلته (انذار ج) بعد ان سمعوا ان جريدة (البينة الجديدة) بقيادتها الرأسية تجلس عندهم فقاموا بواجبات الضيافة على احسن ما يرام.
ولعل ما اثارنا حقا تلك الذاكرة المتقدة لتفاصيل لم تغب عنه وكان يسردها لنا مثل شريط سينمائي يساعده في ذلك (دفتر ملاحظات) دون فيه كل ما مر به اوصادفه وظل مثل ظل يرافقه منذ العام (1950 ـ ولحد الان) اللهم ادم في صحته فهؤلاء الناس يستحقون كل تقدير واحترام وفي هذا الحوار تعالوا معنا لنقرأ ماذا قال؟ـ سجل توثيق ـ
والملفت ان الطيار واثق اطلعنا على سجل دون فيه كل صغيرة وكبيرة منذ دخوله كلية الطيران (تلميذا مروراً باول ساعة طيران واسماء كل المعلمين الذين اشرفوا عليه وانواع الطائرات التي درب عليها واول راتب استلمه واسماء الطيارين الذين تخرجوا في دورته وافضل الطائرات يومذاك من حيث المناورة.
*
مناورات شرف على حضور المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد
ويستذكر طيار الزعيم عبد الكريم بعضا من ذكرياته حيث يقول في عقد الستينيات من القرن الماضي زارت العراق المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وكان ان زارت (كلية الطيران) التي سميت فيما بعد بـ(القوة الجوية) وقد نفذنا مناورات على شرف حضورها حيث استدعيت احد الضباط الطيارين وكان يومها مترددا او ضعيفا للقيام معي بهذه المناورات الاستعراضية وبعد اكمال المناورات مررت من بين وكرين من اوكار الطائرات وعندما نزلنا من الطائرة لاحظت على المدرب الانكليزي علامات تعجب وفي حالة غير طبيعية وتقرب مني وكان يتواجد معي ثلة من ضباطي وقال لي انك قادر على فعل المزيد..لقد كنا نتباهى بحضور المناضلة بوحيرد فعلا وكنا نتسابق للقيام بطيران استعراضي استقبالا لها وهي تزور كليتنا وكان نوع الطائرة التي اجريت فيها المناورة من نوع ma4.
*
وهل تعرضت في حياتك الى مضايقة او حبس بسبب موقف ما؟
ـ نعم تعرضت الى المضايقة حيث فصلت من الخدمة في 9/2/1963 ورميت خلف القضبان شأني شأن عراقيين آخرين وفي التاسع من شباط اي في ذات اليوم حيث الانقلاب الاسود عام (1963) اودعت السجن وهذا امر ليس غريبا بسبب ما احاط تلك المرحلة الغامضة من اعتقالات لكن الغريب في الامر حقا ان يقتادني للسجن بعض من تلامذتي الى سجن رقم (1) في معسكر الرشيد على امل انهم سيسعون الى اعادتي لمقر عملي وكانت لحظة صعبة لاشك فانا لا انتمي لحزب وهويتي الوحيدة هو انني عراقي المهم انهم ادخلوني الى غرفة طولها (3×1,5) متر فقط ولكن لحسن الصدف انني وجدت فيها فراشا وثيرا وانواعا كثيرة من الاغذية والحلوى ولما استفسرت قالولي: انها غرفة (صالح مهدي عماش) وبعد ساعة من مكوثي في الغرفة ادخل اليها ضباط اثنين اتذكر اسميهما وهما : (الملازم لطيف) يعمل في احدى نقاط السيطرة والملازم (رحيم وفي ـ الكردي ـ )
وبعد ان جلسا سألوني ماذا تعمل هنا سيدي؟
فقلت لهما بعبارة مقتضبة وبليغة (والله ان الذي اتى بكم الى السجن هو ذاته الذي اتى بي)!!
ثم تكدست الاجساد البشرية في الغرفة الصغيرة حتى وصل العدد الى (30) سجينا خلال حملة اعتقالات شنها النظام الانقلابي البعثي خلال (100) يوم وبعد خروجي من معتقل سجن رقم (1) ذهبت الى محلتي القديمة في الكرنتينه واخذت معي السيد جبار صاحب دكان مواد غذائية ليكفلني في مركز شرطة سجن السراي يومذاك وبعد اكمال الكفالة اطلق سراحي وعدت الى داري الحالية في مدينة الضباط وكان الوقت حينها الساعة الثانية بعد منتصف الليل !!

هل يجوز هذا؟
هل تعلم بان طيار الزعيم عبد الكريم يتقاضى الان راتبا تقاعديا قدره (480) الف دينار هكذا نكرم نحن رموزنا بينما في استعراضات كل جيوش العالم يتم استدعاء كل الضباط وكل الذين شاركوا في بناء الجيوش واسهموا في تحقيق انتصاراتها الى حضور تلك الاستعراضات اكراما وتقديرا لهم للجيش الذي اسهموا في بناء نواته الاولى.. فمتى نلتفت نحن لاناس افنوا ارواحهم... وافنوا شبابهم من اجل وطن اسمه العراق؟

سيرة ذاتية
الاسم : واثق ابراهيم ادهم محمد البياتي
التولد :1933 بغداد ـ الفضل
المدرسة التي تخرج منها : الاعدادية المركزية (1949 ـ 1950) الفرع العلمي
دخل الكلية التوجيهية في نفس العام لاعداد طلبة لايفادهم بدورات خارج العراق
دخل كلية الطيران الملكية العسكرية العراقية عام 1950
ماهي بدايتك الاولى كطيار ..وماهي اهم الاحداث التي مررت بها ومازالت مطبوعة في ذهنك؟
ـ الحقيقة ان كلية الطيران الملكية العراقية العسكرية اسست سنة (1949 ـ 1950) وكانت نواة للقوة الجوية العراقية حيث استقبلت (30) طالبا كان معظمهم من خريجي الفرع العلمي انذاك (الخامس الاعدادي) وبسبب عدم اكتمال الاحتياج تم قبول بعض خريجي الفرع الادبي وكنت واحدا ممن قبلوا فيها كوني احد خريجي الكلية التوجيهية التي انشئت ابان العهد الملكي لاعداد تلاميذ للانخراط في دورات خارج العراق وبعد معاهدة بورتسموث اعيد النظر بالبعثات هذه وبالمناسبة ان والدي خريج الكلية العسكرية في اسطنبول بتركيا وكان واحدا ممن اسهموا في بناء الجيش العراقي بعد هروبه من تركيا للتخلص من زجه في حروب الاتراك مع الاخرين في منطقة القوقاز.
المهم نعود الى حيث بدأنا حيث تخرج من مجموع 30 طالبا والذين قبلوا في القوة الجوية 19 طالبا (السنة الاولى) وهي سنة تدريبيبة تقسم الى نصفين.
هل تستذكر بعضا من اسماء دورتك؟
ـ نعم اتذكر بعضا منهم الطيار اللواء احمد لاوي الحسني وعلاء العزاوي وعامر جودت الحسيني.
وبعد اكمال الطيران السنة الاولى عقب انهاء مرحلة التدريب صارت هناك (غربلة) فالاشخاص الذين يصلحون للطيران بقوا والاخرين ذهبوا الى خارج القوة الجوية ليسير كل في طريقه الذي رسمه.
ماهي انواع الطائرات التي تدربت على قيادتها يومذاك؟
ـ كانت هناك طائرات عديدة منها
طائرة (تايكر مورث) انكليزية الصنع ويكون التدريب في السنة الثانية على الطيران المتوسط عادة على طائرة من نوع (جيب مانك) اما الطيران المتقدم فكيون على طائرة (الهاربر) وهي طائرة مقاتلة امريكية شاركت في الحرب العالمية الاولى وبعد اكمال الطيران واستكمال الفحوصات تم منحنا درجات لبيان مستوياتنا وتم تقسيمنا على الاسراب فكانت حصتنا السرب البريطاني وتزامن موعد تخرجنا مع وصول طائرات (فمباير) النفاثة والتي يختلف طيرانها على طائرة الفيوري مما استدعى انتخاب طيارين درجة متقدمة لقيادتها وتقدم لهذا الغرض (9) طيارين كنت واحدا منهم.
ماهو شعورك الشخصي في اول يوم طيران ؟
ـ الحقيقة كنت مبتهجا وفرحا في ذلك اليوم لانني كنت في الاصل رياضي وعلمي واحب الدراسة واحب الوطن ولم يكن لي اتجاه حزبي ومبعث فخري هو انني اصبحت طيارا عراقيا احلق في سماء وطني الحبيب.
*
كم استغرقت مدة الطيران؟
ـ كنت تحت التدريب الاولي الابتدائي بحدود (7) ساعات ثم بعدها شاركت بطيران منفرد مدته (30) دقيقة فوق قاعدة الرشيد حيث كان هناك مطار قديم وكانت طائرة (التايكرمورث) لاتطير على المدرج فحسب وانما على التراب ايضاً وفي اول طيران لي كان يوجهني معلمي البريطاني واسمه (جون بول) ويعاونه معلم عراقي هو المرحوم (خلف الجنابي) ومعلمان اخران في الملاحة منهم (جميل جوليس) وكان امر كلية الطيران يومذاك المرحوم سالم الكيلاني والمعاون الجوي الاقدم له هو المرحوم جلال الاوقاتي والمعلم الارضي الاقدم عمانوئيل وكان الطيار يتلقى دروساً في الرياضيات واللغة الانكليزية وطب الطيران والجغرافية والتاريخ العسكري والطب النفسي وكان وجود سربنا يومذاك في معسكر الرشيد وعندما تخرجنا 19 طياراً وزعوا التسعة الاوائل الى السرب الخامس (طائرة الفمباير) البريطانية وواحد منهم نسب الى سرب المواصلات او النقل وآخر الى السرب الثاني الاستطلاع طائرات انكليزية وامريكية اوستر وستيسنزا حصل الفيضان عام (1954) تم نقل السرب وقتيا الى مطار المثنى وكان يومذاك مطارا دولياً وبقينا في هذا المطار بين ( 2 ـ 3) اشهر ثم تنسب الذهاب الى الحبانية وكانت هناك اسراب طائرات انكليزية اما سربنا الخامس فهو الوحيد عراقي.
*
كيف تعاملت كطيار مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وكيف بدأت خيوط القصة بالضبط؟
ـ بعد عودتي الى العراق من التدريب السمتي في انكلترا والحصول على شهادة طيران الشخصيات المهمة (vip) والحصول على شهادة الطيران المدني ومعلم تدريب نسبت الى السرب الثالث لاكمال طيران للشخصيات المهمة في داخل العراق كرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس قيادة الثورة او الوفود التي تأتي الى البلد من الخارج وكذلك نقل قواد الفرق في حال احتياجهم لتبادل مناورة سياسية مع العشائر في شمال العراق مثلاً وكنت انا الوحيد الذي انقلهم وكانت الطائرة يومذاك صغيرة وتتسع حمولتها لشخصين او ثلاثة عدا الطيار علاوة على ذلك كنت انفذ واجبات على طائرات النقل مثل طائرة (دوف) البريطانية وهي ذات محركين وكذلك طائرة (الهرن) البريطانية الصنع ايضا وذات اربعة محركات للنقل الخاص بعدها وصلت الى العراق طائرات (ma4) الروسية السمتية وعلى اثرها شكل منها سرب كامل وهو السرب الثاني في قاعدة الرشيد ونسبت انا كآمر لهذا السرب بتاريخ 20/7/1959 لاجل تحويل الطيارين الموجودين في السرب وعددهم 4 من طائرات الاوستر والسيسنا الى الطائرات السمتية (ma4) ومن هؤلاء الطيارين اذكر (حسين حياوي وعلي عواد) اصبحوا فيما بعد ركن وكان هناك (6) طيارين عائدين توا من انكلترا منهم فاروق فرج و فهر التكريتي واخرين كانوا يتدربون في روسيا وعددهم (10) لا اتذكر اسمائهم وقد حضر بصحبة هذه الطائرات الى العراق معلم طيران روسي ومساعده وبدأنا بتدريب جميع الطيارين على طائرة ma4 الروسية وكان التدريب يتم في مطار ابو غريب الزراعي والعودة الى الرشيد لاغراض الايواء والادامة فقط ..استمر التدريب لفترة بحيث انجزنا خلال (6) اشهر تدريب (8) طيارين مؤهلين ومساعديهم.
وبعد تموز اي بعد عودتي من انكلترا في ايلول (1958) نفذت واجبات عديدة منها نقل المرحوم رئيس الجمهورية الاسبق عبد السلام محمد عارف الى بعقوبة والعمل مع الزعيم (العميد الركن) ناظم الطبقجلي وقمت بالواجب ايضا مع المتصرف سابقا (علاء الدين محمود) وكانت الرحلة الى منطقة (لولان) وهي منطقة جبلية شاهقة في اربيل في شمال العراق لملاقاة احد شيوخ العشائر قريبا من منطقة برزان للتفاوض حول قضايا كثيرة بعدها زادت الطلبات على الطيران السمتي واصبح الاحتياج لنقل الشخصيات المهمة والعسكريين والدخول في قسم مناورات الجيش بهذه الطائرة الكبيرة ma4 كبير جداً حيث انها تحمل حتى سيارة عسكرية ومثبت عليها مدفع مع كامل طاقمه من الافراد والعتاد وفعلا نفذنا عمليتين مع الجيش الى ان اصبح الاحتياج ماسا لتنقلات المرحوم الشهيد عبد الكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية في 14 تموز 1958 حيث بدأ يتنقل لقضايا التفتيش والاطلاع على المشاريع المنجزة او غير المنجزة وكذلك وضع حجر الاساس لقسم من المشاريع وافتتاح مشاريع منجزة اخرى ولما لم يكن هناك طيار مختص وصاحب شهادات عالية ومدرب تدريبا راقيا في انكلترا سواي فكنت انا الوحيد الذي يقوم بنقله الى المشاريع والالوية العسكرية والمعسكرات حيث قمت بنقلات عديدة للزعيم الراحل وهي نقلات متعددة وهذا واقع الحالة التي استدعت قيامي بنقل المرحوم الشهيد الزعيم قاسم.
الزعيم عبد الكريم قاسم في حضرة الامام علي وولديه (الحسين والعباس)

ويروي الطيار (واثق ابراهيم ادهم محمد البياتي) ذكرياته مع الزعيم عبد الكريم بالقول: كان رحمه الله شديد الاحتياج الى العتبات المقدسة ـ هنا يبكي الطيار واثق ويمسح الزميل غياث عبد الحميد) دموعه بالمنديل ويعطيه شيئا من الماء.
ذات يوم هبطت بطائرتي االسمتية الروسية ma4 المرقمة 474 وبصحبتي الطيار المساعد الملازم (طاهر التكريتي) في مطار المثنى الدولي وبعد نزولي من الطائرة وجدت المرحوم جلال الاوقاتي بالانتظار.. اتجهت نحوه واديت التحية كما يجب وقد ابلغني في الحال عن المهمة التي سأقوم بها وهي تحديدا نقل الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الى كربلاء والنجف الاشرف لزيارة العتبات المقدسة فيها وخلال الزيارة سيتم افتتاح معمل تعليب كربلاء وبالفعل جهزت الطائرة وبعد حوالي (25) دقيقة وصل الزعيم واحد مرافقيه الى المطار (كان لايحب ان يأخذ معه حماية) حيث طرنا متجهين الى كربلاء المقدسة وبعد (40) دقيقة طيران وصلنا المدينة وانزلت الطائرة في المكان المخصص لها قرب المعمل وكان الموقع ساعتها مكتظا بالمحتفلين من رجال دين ومسؤولين في المدينة اضافة الى عدد من الوزراء وضباط جيش وجمع غفير من ابناء الشعب ومحبي الزعيم قاسم وبعد ان تبارك الزعيم بافتتاح المعمل وسط احتفال بهيج بعدها غادرنا موقع الاحتفال توجهنا ليأخذ الزعيم ما كتب الله له في زيارة العتبات المقدسة متجولا بخشوع واحترام في مراقد الائمة الصالحين (الحسين واخيه العباس) سلام الله عليهما ثم غادر المراقد ليباشر زيارة تفقدية الى المدينة المقدسة ويقدم توجيهاته للاهتمام والعناية بها ثم توجهنا بالطائرة الى النجف الاشرف لزيارة مرقد الامام علي بن ابي طالب حيث ادى مراسيم الزيارة بحفظ الله ورعايته ودع من سدنة وسادة وزوار كانوا متواجدين في الحضرة الشريفة وبعد اتمام الزيارة والتي استغرت جوا ساعة وخمسة وعشرون دقيقة طرنا عائدين الى بغداد حيث نزلنا في مطار المثنى الدولي بعد انتهاء الرحلة بسلام صعد الزعيم ومرافقه في سيارته عائدا الى مقر عمله اما انا والفني والطيار الثاني (طاهر التكريتي) فعدنا بطائرتنا الى مطار الرشيد.
*
وماهي بالضبط قصة اول يوم طيران مع الزعيم الراحل؟
ـ اذكر جيدا ان اول يوم طيران مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم كان يوم 17 شباط (1960) حيث اتصل بي قائد القوة الجوية يومذاك الزعيم الركن طيار جلال الاوقاتي للقيام بجولة تفقدية حسب طلب الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وقد اعددت طائرة (ma4) وهي كما قلنا سمتية روسية الصنع فطرنا من مطار الرشيد ونزلنا في الحبانية قرب القصر الملكي وكان معه في الرحلة ضباط مجندون مهندسون حيث بدأ يناقش معهم ويشير الى مناطق مشاريع متميزة عرفت لاحقا انها تخص المجمع السياحي في الحبانية بعدها طرنا من الحبانية باتجاه الرمادي حيث طلب الزعيم الراحل عن طريق المرحوم جلال الاوقاتي طبعا لان مقعد الطيار كان عاليا ويستدعي صعود درج لتفقد احد المشاريع هناك جوا من قبل الزعيم الراحل ثم طلب الاتجاه نحو الثرثار ليتفقد العمل والعمال وهو طيلة كل هذه الفترة يراقب ويسجل ملاحظاته الشخصية بنفسه وبالمناسبة كان يرافق الزعيم في هذه الرحلة الزعيم الطيار الركن جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية وقد عدنا الى حيث انطلقنا من معسكر الرشيد وكانت سيارة المرحوم عبد الكريم قاسم بالانتظار مع مرافقه حافظ علوان وكان يساعدني في تلك الرحلة الطيار (علي عواد الدليمي)
*
ومتى كانت اخر رحلة جوية مع الزعيم الخالد؟
ـ اذكر جيدا ان اخر رحلة طيران جوية لي مع الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم يوم وضعه حجر الاساس لافتتاح مدرسة ابتدائية في الصويرة في 12 كانون الاول 1962 وكذلك نقل الزعيم الراحل من المطار المدني في المثنى الى موقع في الصويرة لانشاء جسر يوصل بين المدينة وطريق بغداد ـ الحلة.
*
وماذا تعلمت من الزعيم عبد الكريم قاسم؟
ـ كانت علاقتي بالزعيم الراحل عبد الكريم قاسم قد اثمرت كثيرا في تعلم دروس غنية ومثمرة من سجاياه وصفاته الرائعة فهو كان انسانا قدريا يؤمن بالله الخالق ايمانا عميقا وشجاعاً لايخاف الموت ولايهاب الاقدار ..كان دائما يردد عند كل تحرك له عبارته المحببة (خليها على رب العالمين) ولهذا فهو لايحب الحمايات ولا الحرس المدججين بالسلاح ويرى ان الله افضل حارس ونعم حافظ وكان الزعيم لطيف المعشر وكل الذين عملوا معه احبوه من اعماقهم وكان اذا اراد ان يتكلم مع احد يذهب اليه بنفسه ولا يستدعيه وكان يحب الوطن ويسعى الى خدمته ويحب شعبه حبا جما ولايفضل الجاليات الاخرى على ابناء جلدته وهو غير متحزب ولا يميل لفئة سياسية دون اخرى وكان مستقلا ووطنيا بامتياز وكان محبا للفقراء وعمل لاسعادهم وسعى الى ابدال الصرائف ببيوت مبنية بالطابوق وكان دائم الاجتماع والتحاور مع العمال والمهندسين وكبار المسؤولين في مواقع عملهم وكانت تتملكه رغبة شديدة بالارتقاء بالفقراء الى المستوى اللائق بهم وتنفيذ المشاريع رغم كل الصعوبات يومذاك..
كان يريد للعراقي ان يعيش انسانا حرا وكريما مثل باقي الشعوب المتطورة.
والمهم انه لم يكن يتخذ قراراً شخصياً ذاتيا وعسكريا فهو من خريجي (سانت هيرس) البريطانية وكان الانطباع عنه بدرجة ممتازة خاصة وكما كان المعلوم عنه انه الاول على دورته وهو يرغب ويتشبث ويناضل من اجل التقدم للامام لا لنفسه بل لجميع افراد الشعب وكان يحب ارسال الناس الى الدورات بهدف التطوير والاستزادة من المعلومات والخبرات.
*
رحلتي مع الزعيم الى الميناء العائم في البصرة ويروي الطيار واثق قصة رحلته مع الزعيم الى الميناء العائم في البصرة حيث يقول : بتاريخ 25/اذار/1961 قام الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية بمهمة تاريخية عالمية تحدى بها قائد طائرته السمتية الروسية الصنع (ma4) الطيار واثق ابراهيم ادهم حيث نزل على سطح (رمبه) في وسط امواج البحر وفي الخليج العربي بالتحديد ويقول الطيار واثق انه اول نزول لطائرة سمتية بكامل حمولتها وعلى متنها قائد شعب عظيم في منتصف نهار يوم هادئ وجميل وبالذات في يوم 25/اذار /1961 ومن الميناء الجوي الدولي في البصرة صعد القائد الشعبي العظيم النزيه ضحية تيارات حزبية ضيقة هدفها التسلط والعمالة انذاك.. نعم ارتقى الشهيد عبد الكريم قاسم ومرافقوه وبصحبة المرحوم قائد القوة الجوية الشهيد زعيم الجو الركن (جلال جعفر الاوقاتي) ومرافقه نائب ضابط قائد سيارته فقط وعلى متن الطائرة السمتية رقمها 471 بحدود سبعة ركاب وهم مجموعة تتمثل بعدد من الوزراء وعدد اخر من مسؤولي محافظة البصرة وقد قمت وبصحبتي الطيار الثاني الملازم (فاروق فرج) وهو واحد من طياري السرب الثاني الذي بامرتي كانت المهمة هي احتفالية لوضع الحجر الاساس لانشاء ميناء ام قصر حيث طرنا من ميناء البصرة الجوي الدولي بحفظ الله ورعايته واتجهنا طائرتان الاولى تحمل الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم والطائرة الثانية سمتية وعلى متنها اثني عشر من الوزراء وعدد من المدعوين من وجهاء البصرة وبعد طيران استمر لدقائق نزلنا في موقع مخصص للنزول لوضع الحجر الاساس في ام قصر وبعد وضع حجر الاساس تقرر العودة الى البصرة ولكن تفاجأنا عند تشغيل الطائرة الخاصة بنقل الزعيم عبد الكريم قاسم بظهور عطل فني مما ادى الى استبدالها بالطائرة الاخرى وهي من نوع (ma4) رقمها 481 بعدها طرنا متجهين الى البصرة وما هي الا دقائق اثناء الطيران صعد سلم الطائرة الكائن بين مقصورة الطيار وكابينة الركاب التي على متنها الزعيم عبد الكريم قاسم المرحوم زعيم الجو قائد القوة الجوية (جلال الاوقاتي) ونقل لي طلب وامر الزعيم بالاتجاه نحو الميناء العائم الكائن في وسط الخليج وعلى مسافة بعيدة وبعد تلقي الامر تم تغيير الاتجاه من البصرة الى الميناء العائم (العميق) وكان جل اعتقادي باننا سنقوم بتفقد الميناء العائم جوا فقط وعند وصولنا للميناء ابلغني قائد القوة الجوية بان الزعيم عبد الكريم قاسم امر بالنزول على ظهر الميناء وهو عبارة عن سطح خشبي يصعب النزول عليه لانه سطح خشبي يستند على دعامات كونكريتية فوق الماء وبعد نزول الزعيم عبد الكريم قاسم من الطائرة امر باطفاء محركها ونحن في وسط الخليج هنا بادرت مباشرة بالسؤال كيف نطفئ محرك الطائرة ونحن في وسط سطح البحر فاجابني وقال (واثق نحن في رعاية الله ..كلش نرجع بالزوارق ) لقد كانت هذه البادرة من الشهيد الزعيم فرحة عظيمة ودهشة كبرى للعاملين على ظهر الميناء من مهندسين وفنيين وعمال وطباخين (اي كادر متكامل فوق الميناء) وبعد اجتماعه بهم وباندماج شعبي غرق الجميع في عنفوان هذه الزيارة والظاهرة الانسانية العجيبة من قائد الثورة ومؤسس الجمهورية العراقية الرجل الامين الصادق الكريم وهنا قدم هدية للجميع جادت بها نفسه لهم ومن راتبه الخاص ..استغرقت الزيارة بحدود 40 دقيقة اندمج فيها روحيا ونفسيا ووجدانيا قائد الشعب الضحية مع كادر الميناء وبعد ان انتهت الزيارة ابلغت قائد القوة الجوية عن ملاحظة فنية مهمة الا وهي ان صرف الطائرة للوقود غير اعتيادي وخصوصا لاننا قطعنا مسافة غير مقررة سابقا ولكنه ترك الموضوع لي وصعدنا الطائرة وتم تشغيل محركها والحمد لله اشتغلت بدون عائق وغادرنا عائدين الى البصرة واثناء عودتنا ونحن في الجو فوق البساتين الرائعة بدأ مؤشر الوقود بالتذبذب صعودا ونزولا دلالة على ان الوقود سوف لا يكفي للرحلة وهو مؤشر خطر في حالات نقل زعماء ورؤساء الدول الا انني قررت اختيار ساحة للنزول فيها وهي ساحة كرة قدم قريبة من مركز الشرطة الواقع في منطقة شعبية في البصرة وجهز افراد مركز الشرطة سيارات كما اجتمعت سيارات حكومية واهلية تكفلت بنقل جميع طاقم الطائرة بما فيهم الزعيم عبد الكريم قاسم الى مقر اقامتهم في البصرة ما عداي ومرافقي وبعدها طرنا متجهين الى ميناء البصرة الجوي الدولي على الرغم من ان هناك مؤشرا يدل على قلة الوقود المتبقي في الطائرة الا اننا وصلنا سالمين الى المطار.
لقد كان هذا النزول بادرة شعبية اخرى وفي منطقة بصرية شعبية وعاد الجميع الى محل ضيافتهم بامان وهذا كان موقفا شجاعا من ضمن المواقف الشجاعة الجريئة للزعيم عبد الكريم قاسم.
لقد كانت هذه الرحلة حقا مهمة تاريخية ومخلدة في سجل البطولات.

الارقام تتكلم

بلغ مجموع ساعات الطيران لتنقلات الزعيم عبد الكريم قاسم برفقة الطيار واثق ابراهيم ادهم للفترة من شباط 1960 ولغاية تموز 1962 وعلى طائرة الهليكوبتر (ma4) الروسية الصنع 149 ساعة و35 دقيقة

المصدر: