الجمعة، 27 أكتوبر 2017

مذكرات صقر عراقي عن حرب تشرين 1973-الجزء الثالث

The Iraqi Air Force History


Iraqi Air Force - Iq. AF


بمناسبة الذكرى الرابعة و الأربعين لحرب 6 تشرين أول / أكتوبر 1973 ننقل هنا ما كتبه أحد صقور العراق عن مذكراته عن تلك الحرب.

مذكرات صقر عراقي عن حرب تشرين 1973


الجزء الثالث



الخميس 12 تشرين

يبدو ان ضرباتنا ضد الاسرائيليين كانت موجعة وساهمت في ترجيح الكفة لصالحنا في معركة الدبابات لذلك قام اليهود بتعطيل مطارنا يوما كاملا حيث تعرض المطار لغارة جوية معادية من قبل اربعة طائرات فانتوم تحميها طائرتين ميراج والقت حمولتها من القنابل ذات الانفجار المزدوج المخصصة لكي تخرق المدارج والمساحات الكونكريتيه وتدمرها حين أصيب المدرج وطريق الدرج الرئيسي بأضرار تعيق عمل الطيران وحدث هذا في تمام السابعة صباحا باشرت قوات الهندسة في تحويط مواقع القنابل الغير منفلقة بسواتر ترابية وقامت بتفجير تلك القنابل الموقوتة في الحفر وبدأوا بتنظيف المدرج وطريق الدرج من مخلفات الانفجارات والتفجيرات واتموا العمل بحدود الساعة الثانية عشرة ظهرا من ذلك اليوم وهنا وكأن اليهود يعلمون بالوقت المستغرق لإعادة تأهيل المطار ولاجل تعطيل المطار لمرة ثانية قاموا بالاغارة على المطار وبنفس الأسلوب السابق في حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً وبذلك فقد أمن العدو تعطيلنا طيلة هذا اليوم وتحييد فعالية مطارنا .

 





الجمعة 13 تشرين

بعد اتمام تصليح المدرجة للمرة الثانية وتنظيفه كنا على استعداد كامل لتنفيذ الواجبات وهكذا وفي تمام الساعة الواحدة ظهراً طلب آمر السرب من مجموعة الطيارين طيار سوري وطيار عراقي لتنفيذ واجب إسناد قريب بطائرتين وتم تنسيب الملازم الأول الطيار سوري لقيادة التشكيل وسألنا من يود الطيران فلم يجيب الملازم الطيار اسماعيل احمد لانه كان يشعر بوعكة صحية فسارعت أنا وقلت لآمر السرب انا جاهز وخلال دقائق كنا في الجو متجهين الى الهدف وكانت المنطقة جبلية وكنت اطير قريبا من قائد التشكيل وحسب الاتفاق لاطلاق القنابل بنفس الوقت وعلى نفس الهدف والذي كان تجمعا لآليات العدو وكرفانات وبعد القاء القنابل استدار قائد التشكيل وبقوة فوق الهدف ولم اتابعه لان هذا التكنيك بالنسبة لنا خاطئ فقد تعلمنا بان نستمر لمدة ثلاثين ثانية قبل الدوران والعودة لتجنب النيران المعادية وبعد استمراري بالطيران في العمق رزقني الله بهدف دسم وسهل فقد كنت في هذه اللحظة فوق حافة هضبة وشاهدت أمامي في المنطقة المنخفضة رتل من المدرعات والآليات بمسافات متقاربة جدا بينهم وعلى خط واحد فما كان إلا ان عمرت المدافع الرشاشة (أي قمت بتعشيق أو سحب أقسام المدفع الرشاش وهو عبارة عن زر كهربائي switch-on-off يقوم بهذا العمل )وصوبت مدافع الطائرة نحو اول آلية وفتحت النار وبصلية مستمرة على طول الرتل ولم اقطع الرمي ألا بارتفاع منخفض وخوفي من الدخول في شضايا الهدف (وبعد العودة للقاعدة شاهد المهندسين السوريين الفيلم وأحصوا عدد الاطلاقات الباقية فكانت عشرين اطلاقة لكل مدفع وهذا يعني باني اطلقت مائتي اطلاقة عيار 30 ملم) وبعد ان خرجت من الهجوم استدرت الى اليسار فرأيت في الافق وبمسافة بعيدة طائرتين ذات جناح دلتا تقومان بدوران حاد الى اليسار ايضا فاعطيت نداء بالراديو( طائرات ميراج ) وهنا صاح قائد التشكيل (مشتبك معاهم ) وانقطع الصوت وفقدت الاتصال البصري معاهم لانشغالي بتجنب المرتفعات وطيراني في وادي متعرج وهنا سالني (مارد ) هل تستطيع رؤية ازرق واحد (قائد تشكيلي) فاجبته بالنفي فاعطاني اتجاه للعودة وقال (وراك تشكيل معادي ,, استمر) ففتحت الحارق الخلفي After burner وقمت بالطيران المنخفض جدا والذي اخاف ان انزل دونه مع المناورة المستمرة بين التضاريس والمرتفعات متخيلا بانهم سيسددون علي صواريخهم ولتفويت الفرصة عليهم , وبعد دقائق انتهت التضاريس الوعرة واصبحت اطير فوق أرض منبسطة بسرعة 1200 كم/ساعة مؤشرة تقريباً بسرعة الصوت super sonic وعندما اصبحت جنوب دمشق تقريبا ظهر امامي هدف يطير بنفس الاتجاه أعلى مني قليلا وسرعته كانت أبطأ من سرعتي فقلت في نفسي إذا كانت هذه طائرة العدو سوف تسقطني بعد تجاوزي له وبسهولة فقررت ان افتح عليه نار المدافع واصبعي كان على الزناد ولكن الله تعالى جعلني أطلق نداء في الراديو غريب وغير مسبوق { الطائرة التي امامي اذا صديق هز اجنحتك } فصرخ مارد صديق صديق وبعد لحظات اصبحت على يساره وبمسافة خمسون مترا تقريبا فاذا بها ميغ 21 فهززت اجنحتي له وتجاوزته فحمدت الله ان (مارد ) تدخل في الوقت المناسب وبعد وصولي فوق المطار عملت مناورة حادة لتنظيم نفسي للنزول فانزلت العجلات والقلابات في ( Baselag) وبعد النزول على المدرج وإخلائه توجهت الى الملجأ المخصص واستقبلني الفنيين يحمدون الله على سلامتي وهم منفعلين عندها فهمت أنهم شاهدوا طائرتين ميراج ثم طائرة الميغ (الصديق الذي لم أسقطه) وقد أطلق صاروخين باتجاه طائرتي ولكنها قد أخطأتني وانفجرت بالقرب من البيكن الداخلي ولقد شاهدت الدخان والغبار الذي أحدثته على الارض ولم أفهم هل طائرة الميراج هي التي أطلقت الصاروخين ولم تصبني أم أن طائرة الميغ 21 هي التي أطلقت صواريخها على طائرتي  الميراج ولم تصبهم  وارتطمت بالأرض ولكنه أجبرهم على الفرار دون ان يحققوا هدفهم ولم نكترث بما حدث كثيرا لان الساعات كانت حبلى بالأحداث والحوادث وهذه الطلعة بالذات كانت زاخرة بالمفاجآت والأحداث واستشهد فيها زميلي الطيار السوري .
في حوالي الساعة الرابعة مساء وصلت سيارة مدنية بسائق ونزل منها مقدم طيار عراقي لم التقي به سابقا ولكني شبهته بالرائد جودت النقيب فبادرته بالسؤال هل أنت شقيق جودت( فامسكته العبرة) وعانقني وطلب مني أي معلومات عن شقيقه فطمأنته واخرجت له خارطة واشرت له على منطقة داخل أراضينا وقلت له هنا قذف رائد جودت (ولم اكن صادقا معه ) ولكن فقط لابعاد الحزن عنه وبعد ان اطمأن وتمالك نفسه بدأ بالسؤال عن عددنا ومن بقي منا وكيف تم ارسالنا بدون طواقم أرضية وقال اكتب لي اسمك واسم من معك  وسأعود الى دمشق وسوف نصدر امر بأن نسحبكم الى حيث تتواجد الاسراب العراقية  فودعنا وغادر الى الشام .


المهمة الاخيرة

( سئل أحد الصقور اليافعين هل ينتابك الخوف وانت في وسط نيران أسلحة الدفاع الجوي المعادية الموجهة وغير الموجهة ومطاردة طائرات العدو اثناء قيامك بقصف الأهداف المعادية ...؟ فأجاب لم افكر بالخوف لكي اخاف هكذا كان لسان حال صقور الجو الميامين الذين سطروا اروع الملاحم في سوح الوغى ) .

كانت هذه آخر ليلة لنا نبيت في قاعدة الضمير حيث خصص لنا مبيت في دار البلدية ونحن نتبادل القصص والاحاديث مع الاشقاء السوريين وفي وقت الفجر استقلينا الحافلة التي نقلتنا الى مقر السرب التعبوي حيث اكملنا نومنا في الملجأ بانتظار شروق الشمس وبعد أن تناولنا الافطار السفري رن جرس هاتف الحركات وصدر لنا الامر بطيران تشكيل رباعي بحمولة قنابل لقصف هدف محدد .


استقلينا الحافلة الصغيرة باتجاه ملاجئ الطائرات وفي الطريق أوجزنا قائد التشكيل النقيب الطيار أحمد بدر بالواجب وهو قصف تجمع لقطعات العدو الإسرائيلي بقنابل انفجار عالي واختارني أنا أسامة المهداوي  ان أكون رقم 2 في التشكل ورقم 3 طيار سوري ورقم 4 الملازم الطيار اسماعيل احمد وهنا همس ملازم اسماعيل بأذني قائلا بانه لا يرغب بالطيران كرقم 4 مع هذا الطيار السوري فقلت له لا يهم وأخبرت قائد التشكيل باننا سنتبادل المواقع بيننا انا ساكون رقم 4 واسماعيل سيكون رقم 2 فقال كما تحبون .

توزعنا على الطائرات واكملنا التشغيل والدرج (وتوضعنا على المدرج وكانت المحركات تزأر ..فنادى قائد التشكيل (حارق أعظمي )ومن ثم انطلقت طائرة قائد التشكيل وبجانبه طائرة ملازم اسماعيل احمد فاثارت محركاتها أطنان من الغبار المتبقي من تفجيرات الهندسة وقنابل القصف المعادي على المدرج عندها أصبحت الرؤيا صفر ..اعطاني الرقم 3 اشارة الدرج وما ان تحركنا غاب عن نظري الرقم 3 والرؤيا اصبحت رسميا ( صفر) لا ارى اي شيء باستثناء شبح حافة المدرج اليمنى بمسافة مترين الى ثلاثة امتار فتمسكت بها لحين بلوغ سرعة الاقلاع وبعد لحظات انكشفت امامي الدنيا فلحقت برقم 3 وطرنا بارتفاع 20 متر بتشكيل صحراء (DESERT FORMATION) وبعد عبورنا خط القصف (BOMB LINE) أطلق قائد التشكيل نداء استعداد للقصف فأخذنا نترقب ظهور الهدف أمامنا  فجأة سمعنا قائد التشكيل ينادي تشكيل فانتوم عبر أمامنا من اليمين لليسار سوف يهاجمهم ثم اصدر امر برمي القنابل  وقام بالدوران مع تسلق الى اليسار هو والرقم 2 الملازم الطيار اسماعيل احمد ثم فقد الاتصال البصري مع رقم 1 ورقم 2 ورميت أنا القنابل مع رقم 3 في التشكيل دون ان اعرف اين سقطت تلك القنابل صرخ قائد التشكيل اصبتها اصبتها وبعد لحظة أعطى الرقم 3 نداء اسقطوا الرقم 2  لقد أستشهد زميلي الملازم الطيار اسماعيل أحمد .

وجاء نداء الرقم 3 هنالك طائرات ميراج تهاجمنا شد باتجاه العودة ....وبعد ان اخذنا اتجاه الشرق عائدين الى اراضينا شغلنا الحارق الخلفي ونزلنا الى ارتفاع واطئ جداً في هذه اللحظة ورغم الصوت العالي الذي يصدر من المحرك مع الحارق الخلفي افزعني صوت انفجار قوي الى اليمين والخلف من المقصورة ولكن لم يحدث شيء للطائرة وعدنا انا والرقم 3 السوري ونزلنا في المطار بعد ان فقدنا قائد التشكيل والرقم 2 الملازم اسماعيل احمد ( وجد الفنيون عدة ثقوب في مجموعة ذيل طائرتي سببتها شظايا صغيرة) وهكذا بقيت الطيار العراقي الوحيد في قاعدة الضمير بعد ان فقد الرائد جودت النقيب ثم استشهد ملازم اول عصام جانكير ثم استشهد ملازم اسماعيل احمد .
لذلك بدأ الرائد هشام آمر السرب بالتودد والتحدث معي بامور خاصة بالطيارين وامور القيادة السورية وكيف تم التخطيط والتنفيذ لحرب ال73  سوف انشرها لاحقا لاهميتها تاريخيا والتي ستفاجئ الكثير !!! !!ٍ

في الساعة الثالثة. بعد الظهر وصلت سيارة عسكرية صالون ونزل منها قائد التشكيل النقيب الطيار أحمد بدر الذي اعتبرناه مفقودا فقص علينا ما حدث وما لم نكن نعرفه ولقد فرحنا بنجاته و بعودته سالما مع بعض الرضوض التي أصابته بسبب قذفه من الطائرة أخبرنا قائد التشكيل بأنه شاهد طائرتي فانتوم ولم يشأ ان يتركها لذلك اعطى امر التخلص من حمولة القنابل وتابع تشكيل الفانتوم وكان على يساره طائرة اسماعيل احمد وعندما تمكن من التسديد على الرقم 2 فانتوم اطلق مدافعه الرشاشة واصابها اصابة مباشرة وبعد لحظات شاهد طائرة اسماعيل رقم 2 مصابة وتهوي الى الأرض ثم اصيبت طائرته ايضا فقذف ونزل بالمظلة فتبين ان طائرتين ميراج كانت تحمي الفانتوم هي التي اسقطت طائرة قائد التشكيل وطائرة رقم 2 اسماعيل احمد من تشكيلنا مقابل فقدانهم طائرة فانتوم واحدة ولحسن حظه فقد هبط قرب قطعاتنا وتم نقله الى مستشفى حرستا العسكري وهناك كانت المفاجأة السارة التي ابلغنا بها فقد وجد الرائد الطيار جودت النقيب في المستشفى وهو مصاب بكسر في ساقه بسبب هبوطه في المظلة ولم يكن احد يعلم به لولا ان صادف النقيب الطيار احمد بدر هناك .

في الساعة الرابعة تقريبا وصلت سيارة مدنية من دمشق قدم سائقها ورقة فيها طلب ارسال الملازم الطيار اسامة المهداوي والملازم الطيار اسماعيل احمد وايصالهم الى القيادة الجوية ولكن للاسف فقد استشهد اسماعيل قبل وصول الامر وهكذا ودعت رفاق السلاح من السوريين الذين اجهل أسماء معظمهم وتوجه بي السائق الى مقر القيادة في دمشق ومنها الى حيث التقيت بالمقدم الطيار الركن نجدت النقيب الذي حرص على اعادتنا الى اسرابنا فلما رأيته هنأته فقال على ماذا تهنئني فقلت له ان جودت حي وهو في مستشفى حرستا فتفاجئ وطار فرحا واحتضنني ودموع الفرح تنهمر منه كما احتضنني في الضمير ودموع الحزن انهمرت منه على اثر فقدان شقيقه ( لقد كانت مفارقة جميلة) .

بعد ذلك دعاني لتناول الغداء مع المقدم الطيار محمد جسام الجبوري آمر قاعدة أبو عبيدة وبعدها ذهبنا سوية الى المستشفى لرؤية جودت فرأيناه باحسن حال تحيط به الممرضات من كل صوب يلبون طلباته كونه ضيفا عندهم وقد قضينا فترة من الزمن تبادلنا الاخبار ثم ودعناه وعدنا الى النادي العسكري للمبيت والتقيت اعز اصدقائي ملازم طيار قيس باقر واخبرته باخباري وهو اخبرني باسماء اصدقائنا الذين فقدناهم والذين ساثبت اسمائهم ادناه لكي تحيا ذكراهم في كل 6 تشرين .

  • الشهيد الملازم الأول الطيار سلام ايوب
  • الشهيد الملازم الأول الطيار رضا جميل
  • الشهيد الملازم الطيار ابراهيم كاظم الخفاجي
  • الشهيد الملازم الأول الطيار عصام جانكير
  • الشهيد الملازم الأول الطيار احمد صالح
  • الشهيد الملازم الطيار اسماعيل احمد
  • الاسير ثم الشهيد الملازم الأول طيار سعد الاعظمي
كل الأسماء السابقة تمثل طياري السوخوي وادناه اسماء طياري الميغ 21

  • الشهيد النقيب الطيار كامل سلطان
  • الشهيد الرائد الطيار نامق سعد الله
  • الشهيد الملازم الطيار متعب الزوبعي
  • الرائد الطيار جودت النقيب قذف وهبط بالمظلة
  • النقيب الطيار حسين علي ميغ 17 قذف ورجع
  • الرائد الطيار سمير زينل الذي كان مقيما في الشام استشهد ودفن في الشام .
لقد انتهت الحرب ولكن الذكريات لم تنتهي بعد لقد وافقت مصر وسوريا على وقف إطلاق النار ولكن رافقتها مفارقات الحرب حين انتقلنا للوهلة الاولى ونحن نشارك في الجبهة السورية لقد اختلطت طائراتنا مع طائرات الاسراب السورية مثلما اختلطت دماؤنا وعندما يتم تكليفنا بواجب نرتقي الى أي طائرة جاهزه لم ننظر على أنها طائرة عراقية أم سورية وبسبب عدم تمكن الفنيين العراقيين اللحاق بنا في القواعد لم تكن هناك سجلات الطائرات موجودة معنا لذلك بعد نهاية الحرب فقدت طائرة عراقية وبحثنا عنها في الملاجئ ولم نجدها لربما سقطت في ساحات المعركة.     
تمت كتابة هذه المذكرات في يوم 6 تشرين الاول سنة 2016
********************************
بقلم الكابتن اسامة المهداوي

 
https://shrabann.blogspot.se/2017/10/1973.html/


ليست هناك تعليقات: